معذرة أنا عقلاني
لم تكف يوماً عن تتبع أخباره والسؤال عنه ، كانت تتلمس دائماً أثاره ،تشتاق إلي ايماءاته ، تتنظر قدومه إلي الجامعة ، تغدوا مصبحة قبل موعدها لتري ثقة مشيته أو هدوء سريرته، وتستشيط ناراً كلما شاهدت صديقاتها يتحدثن عنه وعن محاولاتهن جذبة وتجاهله الشديد لمحاولاتهن
كانت تعدهم مجرد مراهقات صغيرات يتتبعنه فقط إعجاباً بجمال طلعته أو لباقة حديثة ، إلا أن واحدة منهم لم ولن تحمل له واحداً علي ألف مما تحمله هي نحوه ومع ذلك كان يتجاهلها أيضاً
كلما حاولت التحدث إليه كان يتحاشي الالتقاء بها ، أو حتى يهرب بنظرات عينية المختلسة عنها إلا أنها لم تيأس ولم يخفت ولو للحظة هذا الشغف الذي ملأها بحثاً عن طريقة للوصول إليه
سمعتهم مرة يتحدثون عن جديته الشديدة وعن عدم اكتراثة سوي بالتحصيل العلمي ، وحديثه الدائم عن ما ينوي فعله في الدراسة وإلي أين يخطط في التدرج الوظيفي ، كن يتصايحن ضحكاً ويتحسرن علي هذه الوسامة التي ضاعت في أتون العلم والمعرفة حسب ما يتصورن ، كن دائما يتحدثن عنه قائلين " مجنون يفني زهرة عمرة "
لم تكن تقتنع بذلك نهائياً ، كانت تشعر أنه يحمل في داخله روح شاب ، كانت دائما تعتقد عكس ما تظن كل واحدة منهم أنه في قمة المرح والفكاهة ، يحب الحياة بل وأكثر منهن ولكن بطريقة خاصة ، يحتاج فقط من يفهم ذلك
كانت تعرف أن كل واحدة منهن تفهمة من نقطة واحدة ، أما هي فتفهم كل تنهيدة من صدره أو اشاحة بيدة أو التفاته برأسة ، أو حتى طقطقة لأصبعه ، لا لم تكن تفهمة فقط كان تشعر به حتى أنها لتكاد تسمع دقات قلبه أو تنهيدات أنفاسه أو زفرات تعبه
............. كيف يكون مرحاً وصاحب مزحة ولم أشاهده يوما يضحك من كل قلبه كمثل جميع الشباب الذين تراهم ، تحدثت إلي نفسها قائلة " لا يوجد دليل واحد " إنه احساسي فقط لا غير ، ولا يوجد أي شئ في تصرفاته يشير إلي ذلك ، هل يمكن أن أكون أنا من يخدع نفسي لأنني أصدق احاسيسي واكذب الجميع ، أم أن احساسي هو الصادق وأنهن جميعاً لا يفهمنه كما أفهمه أنا
............... اليوم مر من أمامها ملقياً تحية صباح سريعة متجاهلاً لها كعادته كل يوم وإن كان يختلس بعض النظرات إليها ، إلا انها لم تصدق أن هذه هي نظراته العادية ، لم تشاهده يوماً يختلس هذه النظرات لأحد سواها
ـ أظن أنني مراهقة صغيرة حتى أتخيل أن هذه النظرات لي أنا فقط ، أنه ينظر إلي الجميع هكذا
ـ كلا أنا متأكدة أن هذه النظرة تختلف عن نظرات الجميع ، أنه يهرب بعينية كلما نظرت إلي عينية
ـ هل يمكن أن يكون خجولاً إلي درجة انه يهرب يعينية من أي فتاة تنظر إليه
ـ ولكنني أراه يتحدث بعض الأوقات مع احداهن وينظر إليها كعادته بلا اكتراث ولا يهرب من النظر إليها
ـ يجب أن أتحدث إليه
ـ ولكن ماذا لو رفض أو عاملني بلا اكتراث كما يعاملهن هل سأتحمل ذلك ؟
ـ ولكنني يجب أن أعرف هل انا عنده كأي فتاة أم انني مختلفة ؟
ظلت الأسئلة تتردد في عقلها بلا توقف حتى مر من أمامها بنظراته المختلسة المعتادة او غير المكترثة وسار إلي مكتبه بدون أن تلحق به .........
أنتظرته في نفس المكان في اليوم التالي وبخلدها تدور الاسئلة وكعادته مر من امامها وكما هي فقدت تسمرت في مكانها واضطربت ولم تستطع حتى ان تناديه
..... وبينما هي تتناول طعام الغذاء في منزلها مع والدها ووالدتها أخبرتها أن هناك جيران جدد سكنوا وتطلب منها التخف من مرحها الزائد لأن عندهم شاب يقترب من الخامسة والعشرين داعية أياها بالتحفظ قليلاً لحين معرفة هؤلاء الجيران الجدد
لم تهتم بالأمر كثيراً حتى فرغت من الطعام كان يساورها احساس بأن هذا الشاب هو .....
فكرت قليلاً في ذلك ثم أخذت تضحك من أفكارها التي تحولت إلي أفكار مراهقة صغيرة تتنظر ابن الجيران وهو يخرج من منزله والاصحاب وكيف أن أصحابه كلهم يأتمرون بأمره ، ضحكت بصورة هيستيرية علي الفكرة حتى سمعتها والدتها فأخذت تنادي عليها متعجبة من هذا الضحك
حملت الوردة التي تحملها كل يوم في الصباح تتذكر ليلتها السابقة والتي أخذت تضحك فيها علي أفكارها الصبيانية مودعة والدتها بقبلة الصباح المعتادة
لم تكد تغلق باب المنزل مودعة والدتها حتى سمعت هذا الصوت ، فتسمرت في مكانها ، منتظرة أن يتحدث مرة أخرى
لم يكن صوتاً عادياً ، ومن المستحيل أن يكون صوتاً عادياً ، لانها تحفظه عن ظهر قلب ،إنها تستطيع تميز صوته وسط مليون صوت ، لأنه أعذب عندها من كل الأسطوانات التي تملأً مكتبتها ، بل إن مائة أغنية لا يساوون عندها دقيقة من صوته عندما يتحدث
رأته ينزل درجات السلم مسرعاً في قمة الحيوية والشباب ، ينشد أغنية كأنها تسمعها لأول مرة حتى رأته في وجهها فلم تستطع النطق ، هو ايضاً تسمر في مكانه عاجزاً عن النطق
بادرها بتحية الصباح ، فتمتت بكلمات غير مفهومة ، فأبتسم مطمئناً لها بأنه الجار الجديد الذي يقطن المنزل هو وأسرته ، وبأنه يظن أنه شاهدها قبل ذلك في جامعته ، فأجابت بتعثر شديد بلي انا في هذه الجامعة
دعاها للذهاب معه إلي الجامعة
لم تستطع أن ترد اجابته ، فأبدت الموافقة بإيماءه من رأسها أو لعلها عجزت عن أن تخبره بكلمة لا
كيف تركب السيارة معه هكذا بدون تحرج ، إنها لم تفعل ذلك ولو مرة في حياتها ، ولكنها لم تستطع أن تخبره برفضها
أخذت خطواتها تتثاقل في المشي راجية ان يبدي إيماءة يفتح لها باباً للعودة عن قرارها ولكنها داخل نفسها كانت تتمني ان تستقل السيارة بجواره ، هذا كان حلم حياتها
استقلت السيارة بجواره صامته عاجزة عن النطق ، ثم تذكرت أن الوردة مازالت بيديها ، فأصابها خجل شديد فقررت وضعها بين صفحات الكتاب الذي تحمله
ـ نظر إليها معلقاً عن أن الوردة سوف يتسبب ماءها في تغيير ألوان صفحات الكتاب
ـ لم تستطع أن تأخد موقفاً هل تضع الوردة داخل الكتاب ام تتركها بيديها ، ظلت تتررد ما بين ذلك حتى سقطت الوردة علي جلدة الكتاب فأبدت سكونها مرة أخرى واعتبرت أن هذا هو الحل النهائي
رن هاتفها النقال فإذا والدتها تطمئن علي وصولها إلي الجامعة أم أن الطريق مزدحم فأجابتها أنها علي وشك الوصول
ـ ما رقم تليفونك الجوال ؟
ـ توقفت عن الحراك تماماً عاجزة عن النطق وفي عقلها يدور مليون سؤال
ـ أعتذر لم أقصد ان احرجك ولكن كنت أود التأكيد علي موعد العودة
ـ حاربت بكل جهدها للسيطرة علي تصرفاتها حتى لا يبدوا الأمر له ، إنها لم تكن ترغب في أن تعطيه رقم الهاتف فقط ، أنها ترغب في أن تصرخ في وجهة بكل ما تحمله مخبرة أياه أنه لو طلب حياتها نفسها فلن تتنظر لحظة لتهبه اياها
حاولت أن تبدي تحفظاً ولكنها لم تستطع ، خوفها من أن يمثل رفضه دافعاً اكبر له لتجاهلها منعها من أن تجيب
ـ لتأخذي رقم هاتفي وأخبريني فقط بموعد عودتك إلي المنزل
ـ مرة أخرى تحارب لتتماسك امامة ، أخرجت ورقة صغيرة من حقيبتها وكل علامات التوتر تسودها وقشعريرة باردة تسري في كل اوصالها ، إلا أنا ظلت تحاول التماسك وهي تخط رقم تليفونها علي الورقة
تركت الورقة أمامها بعصبية ، وشاهدت ابتسامته التي شعرت أنها تحمل كل خبث المحبين في الدنيا ، لم تتحرك شفاهه ولا وجنته ولكنها متأكده أنه كان يضحك من داخله ، هكذا رأت بعينها وهي لن تكذب عينها
ودعته بباب الجامعة شاكرة منه هذا الموقف ، وما أن خرجت من السيارة حتى أطلقت زفرة حارة من كل أنحاء صدرها
جلست تعد الدقائق منتظرة أن ينتهي اليوم لتعود معه إلي المنزل ، كان الوقت يمر بأبطأ ما يكون ، كانت تشعر أن كل دقيقة هي ليست ساعة بل إنها شهر ، بل هي سنة
في طريق العودة تحركت الأسئلة في خلدها متسارعة
ـ ألا تفكر في الزواج
ـ لا لم يأت الوقت بعد
ـ ألم تحب يوماً ما
ـ لم أفكر بالأمر كل ما يشغلني الآن هو عملي
ـ ألم تعجبك أي واحدة حتى الآن
ـ يوم أقرر الإعجاب سأختار من أعجب بها
ـ ولكن الاعجاب لا يأتي عندما تختار ، أنه يأتي بلا بداية وفي اي وقت ، فجأة تظهر في حياتك
ـ هذه أحلام مراهقة ، انا من يحدد متى اعجب ومتى لا اعجب
كيف كان يومك ؟ هل كان بخير والحمد لله
قطعت السؤال سيل أفكارها و أسئلتها واجاباتها ، فألتفت قائلة : الحمد لله ، أتمني أن أفرغ فقط من الجامعة
ـ ولماذا تودين الانتهاء من الجامعة ؟
ـ أود الانتهاء منها فقط وبعدها أفكر فيماذا سوف أفعل
ـ ولماذا لا تفكرين من الآن ؟
باغتها السؤال فصمتت قليلاً ثم أجابته يمكن أن تكون أحلامي بسيطة ولكنها أحلامي
ـ وما هي أحلامك ؟
كان سؤاله بسيطاً للغاية إلا أنها شعرت أنه يسئلها أعقد وأصعب الأسئلة ، فأجابت ربما لن تروقك الاجابة ولكنها هي بالفعل أحلامي
ـ ولماذا لا تعجبني ؟ كيف عرفت انها لن تعجبني ؟
كان يرد ببرود يصيبها بالغيظ الشديد ، شعرت للحظة أنه بلا مشاعر ، وأنه يتعامل مع الحياة كأنها درس علمي أو كأنها مجموع أرقام لا أكثر ، لكنها داخل نفسها كانت تشعر أنه يحمل ملايين المشاعر ، وأن ما يفعله مجرد ادعاء ، أو تصنع
شخصيته
طريقة حديثة
لباقته
بساطته
اصرارة
كبرياءه
حتى طريقة نظرات عينيه
كل هذا كان يؤكد لها أنه مملوء بالمشاعر وأنه فقط يتظاهر بذلك
أحلم بأسرة هادئة ، بزوجة صالحة ، بمستقبل علمي ، بأطفال أذكياء ، بسيارة أفضل من تلك فماذا عن حلمك ؟
كان يرد بهدوء منقطع النظير وكأنه ابسط سؤال يمكن أن يجيب عليه مع أنها كانت تجد أسئلته وكأنها أصعب امتحان تمر به في حياتها
وأنا أتمني أيضا كذلك ، زوجاً صالحاً ، وأسرة هادئة وأطفالاً أذكياء
ألم تجد هذه الزوجة الصالحة من قبل أو تقابلها من قبل ؟
بلي ولكنني الآن مشغول ولي أهداف أود تحقيقها أولاً والأمر لا يشغلني حالياً
هكذا بكل بساطة ، ألا تخاف أن تخسرها ، أو أن لا تجد بديلاً عنها ، وحتى إن وجدت البديل كيف سيكون
من ؟
ألم تجبني بأنك قابلتها ؟
ـ اوه لقد وصلنا
نطقها مخرجاً أياها من عالم اسئلتها التي تاهت واحتارت فيها ، فأخذت تلملم اوراقها وبينما هي تهم بفتح الباب أتاها صوته قائلاً آنستي " معذرة أنا عقلاني "
ردت بهدوء غاضب : لا عليك ، أتمني أن يوفقك الله دائماً
أخذت اوراقها وانطلقت إلي المنزل تطير كعادتها وتغني ضاحكة أجمل الكلمات تتنظرها كالمعتاد والدتها التي حتما أعدت وجبة الغذاء ، تصعد درجات المنزل درجتين درجتين فهي لا تعرف سوي الطيران ، لأنها كانت تشدوا دائما ، أنا نكهة الدنيا وحلاوة الحياة ولون البنفسج وروح الشقاوة
ضحكت ضحكة ساخرة ، دارت معها اعينها تقلب كل ما حولها ، وتنهدت تنهيدة مرحة قائلة " ليته يعرف "
كانت تعدهم مجرد مراهقات صغيرات يتتبعنه فقط إعجاباً بجمال طلعته أو لباقة حديثة ، إلا أن واحدة منهم لم ولن تحمل له واحداً علي ألف مما تحمله هي نحوه ومع ذلك كان يتجاهلها أيضاً
كلما حاولت التحدث إليه كان يتحاشي الالتقاء بها ، أو حتى يهرب بنظرات عينية المختلسة عنها إلا أنها لم تيأس ولم يخفت ولو للحظة هذا الشغف الذي ملأها بحثاً عن طريقة للوصول إليه
سمعتهم مرة يتحدثون عن جديته الشديدة وعن عدم اكتراثة سوي بالتحصيل العلمي ، وحديثه الدائم عن ما ينوي فعله في الدراسة وإلي أين يخطط في التدرج الوظيفي ، كن يتصايحن ضحكاً ويتحسرن علي هذه الوسامة التي ضاعت في أتون العلم والمعرفة حسب ما يتصورن ، كن دائما يتحدثن عنه قائلين " مجنون يفني زهرة عمرة "
لم تكن تقتنع بذلك نهائياً ، كانت تشعر أنه يحمل في داخله روح شاب ، كانت دائما تعتقد عكس ما تظن كل واحدة منهم أنه في قمة المرح والفكاهة ، يحب الحياة بل وأكثر منهن ولكن بطريقة خاصة ، يحتاج فقط من يفهم ذلك
كانت تعرف أن كل واحدة منهن تفهمة من نقطة واحدة ، أما هي فتفهم كل تنهيدة من صدره أو اشاحة بيدة أو التفاته برأسة ، أو حتى طقطقة لأصبعه ، لا لم تكن تفهمة فقط كان تشعر به حتى أنها لتكاد تسمع دقات قلبه أو تنهيدات أنفاسه أو زفرات تعبه
............. كيف يكون مرحاً وصاحب مزحة ولم أشاهده يوما يضحك من كل قلبه كمثل جميع الشباب الذين تراهم ، تحدثت إلي نفسها قائلة " لا يوجد دليل واحد " إنه احساسي فقط لا غير ، ولا يوجد أي شئ في تصرفاته يشير إلي ذلك ، هل يمكن أن أكون أنا من يخدع نفسي لأنني أصدق احاسيسي واكذب الجميع ، أم أن احساسي هو الصادق وأنهن جميعاً لا يفهمنه كما أفهمه أنا
............... اليوم مر من أمامها ملقياً تحية صباح سريعة متجاهلاً لها كعادته كل يوم وإن كان يختلس بعض النظرات إليها ، إلا انها لم تصدق أن هذه هي نظراته العادية ، لم تشاهده يوماً يختلس هذه النظرات لأحد سواها
ـ أظن أنني مراهقة صغيرة حتى أتخيل أن هذه النظرات لي أنا فقط ، أنه ينظر إلي الجميع هكذا
ـ كلا أنا متأكدة أن هذه النظرة تختلف عن نظرات الجميع ، أنه يهرب بعينية كلما نظرت إلي عينية
ـ هل يمكن أن يكون خجولاً إلي درجة انه يهرب يعينية من أي فتاة تنظر إليه
ـ ولكنني أراه يتحدث بعض الأوقات مع احداهن وينظر إليها كعادته بلا اكتراث ولا يهرب من النظر إليها
ـ يجب أن أتحدث إليه
ـ ولكن ماذا لو رفض أو عاملني بلا اكتراث كما يعاملهن هل سأتحمل ذلك ؟
ـ ولكنني يجب أن أعرف هل انا عنده كأي فتاة أم انني مختلفة ؟
ظلت الأسئلة تتردد في عقلها بلا توقف حتى مر من أمامها بنظراته المختلسة المعتادة او غير المكترثة وسار إلي مكتبه بدون أن تلحق به .........
أنتظرته في نفس المكان في اليوم التالي وبخلدها تدور الاسئلة وكعادته مر من امامها وكما هي فقدت تسمرت في مكانها واضطربت ولم تستطع حتى ان تناديه
..... وبينما هي تتناول طعام الغذاء في منزلها مع والدها ووالدتها أخبرتها أن هناك جيران جدد سكنوا وتطلب منها التخف من مرحها الزائد لأن عندهم شاب يقترب من الخامسة والعشرين داعية أياها بالتحفظ قليلاً لحين معرفة هؤلاء الجيران الجدد
لم تهتم بالأمر كثيراً حتى فرغت من الطعام كان يساورها احساس بأن هذا الشاب هو .....
فكرت قليلاً في ذلك ثم أخذت تضحك من أفكارها التي تحولت إلي أفكار مراهقة صغيرة تتنظر ابن الجيران وهو يخرج من منزله والاصحاب وكيف أن أصحابه كلهم يأتمرون بأمره ، ضحكت بصورة هيستيرية علي الفكرة حتى سمعتها والدتها فأخذت تنادي عليها متعجبة من هذا الضحك
حملت الوردة التي تحملها كل يوم في الصباح تتذكر ليلتها السابقة والتي أخذت تضحك فيها علي أفكارها الصبيانية مودعة والدتها بقبلة الصباح المعتادة
لم تكد تغلق باب المنزل مودعة والدتها حتى سمعت هذا الصوت ، فتسمرت في مكانها ، منتظرة أن يتحدث مرة أخرى
لم يكن صوتاً عادياً ، ومن المستحيل أن يكون صوتاً عادياً ، لانها تحفظه عن ظهر قلب ،إنها تستطيع تميز صوته وسط مليون صوت ، لأنه أعذب عندها من كل الأسطوانات التي تملأً مكتبتها ، بل إن مائة أغنية لا يساوون عندها دقيقة من صوته عندما يتحدث
رأته ينزل درجات السلم مسرعاً في قمة الحيوية والشباب ، ينشد أغنية كأنها تسمعها لأول مرة حتى رأته في وجهها فلم تستطع النطق ، هو ايضاً تسمر في مكانه عاجزاً عن النطق
بادرها بتحية الصباح ، فتمتت بكلمات غير مفهومة ، فأبتسم مطمئناً لها بأنه الجار الجديد الذي يقطن المنزل هو وأسرته ، وبأنه يظن أنه شاهدها قبل ذلك في جامعته ، فأجابت بتعثر شديد بلي انا في هذه الجامعة
دعاها للذهاب معه إلي الجامعة
لم تستطع أن ترد اجابته ، فأبدت الموافقة بإيماءه من رأسها أو لعلها عجزت عن أن تخبره بكلمة لا
كيف تركب السيارة معه هكذا بدون تحرج ، إنها لم تفعل ذلك ولو مرة في حياتها ، ولكنها لم تستطع أن تخبره برفضها
أخذت خطواتها تتثاقل في المشي راجية ان يبدي إيماءة يفتح لها باباً للعودة عن قرارها ولكنها داخل نفسها كانت تتمني ان تستقل السيارة بجواره ، هذا كان حلم حياتها
استقلت السيارة بجواره صامته عاجزة عن النطق ، ثم تذكرت أن الوردة مازالت بيديها ، فأصابها خجل شديد فقررت وضعها بين صفحات الكتاب الذي تحمله
ـ نظر إليها معلقاً عن أن الوردة سوف يتسبب ماءها في تغيير ألوان صفحات الكتاب
ـ لم تستطع أن تأخد موقفاً هل تضع الوردة داخل الكتاب ام تتركها بيديها ، ظلت تتررد ما بين ذلك حتى سقطت الوردة علي جلدة الكتاب فأبدت سكونها مرة أخرى واعتبرت أن هذا هو الحل النهائي
رن هاتفها النقال فإذا والدتها تطمئن علي وصولها إلي الجامعة أم أن الطريق مزدحم فأجابتها أنها علي وشك الوصول
ـ ما رقم تليفونك الجوال ؟
ـ توقفت عن الحراك تماماً عاجزة عن النطق وفي عقلها يدور مليون سؤال
ـ أعتذر لم أقصد ان احرجك ولكن كنت أود التأكيد علي موعد العودة
ـ حاربت بكل جهدها للسيطرة علي تصرفاتها حتى لا يبدوا الأمر له ، إنها لم تكن ترغب في أن تعطيه رقم الهاتف فقط ، أنها ترغب في أن تصرخ في وجهة بكل ما تحمله مخبرة أياه أنه لو طلب حياتها نفسها فلن تتنظر لحظة لتهبه اياها
حاولت أن تبدي تحفظاً ولكنها لم تستطع ، خوفها من أن يمثل رفضه دافعاً اكبر له لتجاهلها منعها من أن تجيب
ـ لتأخذي رقم هاتفي وأخبريني فقط بموعد عودتك إلي المنزل
ـ مرة أخرى تحارب لتتماسك امامة ، أخرجت ورقة صغيرة من حقيبتها وكل علامات التوتر تسودها وقشعريرة باردة تسري في كل اوصالها ، إلا أنا ظلت تحاول التماسك وهي تخط رقم تليفونها علي الورقة
تركت الورقة أمامها بعصبية ، وشاهدت ابتسامته التي شعرت أنها تحمل كل خبث المحبين في الدنيا ، لم تتحرك شفاهه ولا وجنته ولكنها متأكده أنه كان يضحك من داخله ، هكذا رأت بعينها وهي لن تكذب عينها
ودعته بباب الجامعة شاكرة منه هذا الموقف ، وما أن خرجت من السيارة حتى أطلقت زفرة حارة من كل أنحاء صدرها
جلست تعد الدقائق منتظرة أن ينتهي اليوم لتعود معه إلي المنزل ، كان الوقت يمر بأبطأ ما يكون ، كانت تشعر أن كل دقيقة هي ليست ساعة بل إنها شهر ، بل هي سنة
في طريق العودة تحركت الأسئلة في خلدها متسارعة
ـ ألا تفكر في الزواج
ـ لا لم يأت الوقت بعد
ـ ألم تحب يوماً ما
ـ لم أفكر بالأمر كل ما يشغلني الآن هو عملي
ـ ألم تعجبك أي واحدة حتى الآن
ـ يوم أقرر الإعجاب سأختار من أعجب بها
ـ ولكن الاعجاب لا يأتي عندما تختار ، أنه يأتي بلا بداية وفي اي وقت ، فجأة تظهر في حياتك
ـ هذه أحلام مراهقة ، انا من يحدد متى اعجب ومتى لا اعجب
كيف كان يومك ؟ هل كان بخير والحمد لله
قطعت السؤال سيل أفكارها و أسئلتها واجاباتها ، فألتفت قائلة : الحمد لله ، أتمني أن أفرغ فقط من الجامعة
ـ ولماذا تودين الانتهاء من الجامعة ؟
ـ أود الانتهاء منها فقط وبعدها أفكر فيماذا سوف أفعل
ـ ولماذا لا تفكرين من الآن ؟
باغتها السؤال فصمتت قليلاً ثم أجابته يمكن أن تكون أحلامي بسيطة ولكنها أحلامي
ـ وما هي أحلامك ؟
كان سؤاله بسيطاً للغاية إلا أنها شعرت أنه يسئلها أعقد وأصعب الأسئلة ، فأجابت ربما لن تروقك الاجابة ولكنها هي بالفعل أحلامي
ـ ولماذا لا تعجبني ؟ كيف عرفت انها لن تعجبني ؟
كان يرد ببرود يصيبها بالغيظ الشديد ، شعرت للحظة أنه بلا مشاعر ، وأنه يتعامل مع الحياة كأنها درس علمي أو كأنها مجموع أرقام لا أكثر ، لكنها داخل نفسها كانت تشعر أنه يحمل ملايين المشاعر ، وأن ما يفعله مجرد ادعاء ، أو تصنع
شخصيته
طريقة حديثة
لباقته
بساطته
اصرارة
كبرياءه
حتى طريقة نظرات عينيه
كل هذا كان يؤكد لها أنه مملوء بالمشاعر وأنه فقط يتظاهر بذلك
أحلم بأسرة هادئة ، بزوجة صالحة ، بمستقبل علمي ، بأطفال أذكياء ، بسيارة أفضل من تلك فماذا عن حلمك ؟
كان يرد بهدوء منقطع النظير وكأنه ابسط سؤال يمكن أن يجيب عليه مع أنها كانت تجد أسئلته وكأنها أصعب امتحان تمر به في حياتها
وأنا أتمني أيضا كذلك ، زوجاً صالحاً ، وأسرة هادئة وأطفالاً أذكياء
ألم تجد هذه الزوجة الصالحة من قبل أو تقابلها من قبل ؟
بلي ولكنني الآن مشغول ولي أهداف أود تحقيقها أولاً والأمر لا يشغلني حالياً
هكذا بكل بساطة ، ألا تخاف أن تخسرها ، أو أن لا تجد بديلاً عنها ، وحتى إن وجدت البديل كيف سيكون
من ؟
ألم تجبني بأنك قابلتها ؟
ـ اوه لقد وصلنا
نطقها مخرجاً أياها من عالم اسئلتها التي تاهت واحتارت فيها ، فأخذت تلملم اوراقها وبينما هي تهم بفتح الباب أتاها صوته قائلاً آنستي " معذرة أنا عقلاني "
ردت بهدوء غاضب : لا عليك ، أتمني أن يوفقك الله دائماً
أخذت اوراقها وانطلقت إلي المنزل تطير كعادتها وتغني ضاحكة أجمل الكلمات تتنظرها كالمعتاد والدتها التي حتما أعدت وجبة الغذاء ، تصعد درجات المنزل درجتين درجتين فهي لا تعرف سوي الطيران ، لأنها كانت تشدوا دائما ، أنا نكهة الدنيا وحلاوة الحياة ولون البنفسج وروح الشقاوة
ضحكت ضحكة ساخرة ، دارت معها اعينها تقلب كل ما حولها ، وتنهدت تنهيدة مرحة قائلة " ليته يعرف "
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية