الزحف نحو الخيارات الصعبة
" لكنه دفعنا إلي هنا ، ماذا يعني ذلك "
ترددت هذه الكلمة في عقلي وأنا أتابع المشهد الحالي في مصر ، فقد وردت في الفيلم الرائع " أسد الصحراء " والتي تروي قصة المجاهد العظيم عمر المختار في النسخة المعربة من الفيلم ، حيث كان القائد الايطالي في أحد مخطاطاته يسعي لجر المجاهدين وحصارهم في أحد المناطق وقد كان يتطلب ذلك السيطرة علي جسر استراتيجي ، وكان القائد الايطالي يحاول إخفاء نيته ، فقام بضرب متواصل بالمدفعية واستخدام للغاز لحصار المجاهدين ومنعهم من التفكير في خطته والمراد منها ، ولكن القائد ذا البصيرة أخذ يفكر كثيرا متسائلاً بعد أن أخبره المساعد أنه لم يكف الضرب عن المجاهدين طيلة ثلاث ليال متواصلة ، قائلاً " لكنه دفعنا إلي هنا .. ماذا يعني ذلك ؟ " ليفهم في النهاية أنه يبغي جسراً استراتيجياً ، وتأكد من هذا الغرض وهنا أعد الخطة التي أدت إلي إفشال خطة الضابط الإيطالي تماماً وبخسائر فادحة
تذكرت هذه اللقطة السينمائية الرائعة التي تعبر بصدق عن أهمية إدارة الصراعات بالعقل ، فلا تكفي الأعداد ولا الخسائر لتحقيق الانتصارات ، كما أن تراكم الانجازات لا ينبني علي اساس تراكم التضحيات مالم تكن هذه التضحيات داخل إطار تجربة محددة الزمان والاهداف لتحقيق غايات محددة ومقبولة وموضوعية
راودتني هذه الخاطرة وأنا أتابع المشهد بعد المحاكمة الصورية التي تفنن النظام فيها في ممارسة ألعابه القذرة ، ليضع جماعة الأخوان في موقف سياسي لا يحسدون عليه
فأظن حسب التصور أن الجماعة الآن بعد هذه الاحكام شديدة القسوة وشديدة الاجحاف أمام خيارات محدودة لا تزيد عن ثلاث خيارات وكلها تنضم إلي قائمة الخيارات الصعبة
فخيار الرد علي النظام والدخول في مواجهة ولو محدودة أو حتى تعبيرية عن الغضب من الاحكام دفاعاً عن الكيان وإثباتاً لأعضائه أن الكيان يدافع عنهم سوف يدخل الجماعة في صورة جديدة من الصراع الفردي وستجد نفسها في الميدان وحيدة إذا حاولت ذلك لأنها تجاهلت أطياف المعارضة في الاضراب السابق وانتخابات المحليات والشوري ، مما سيجعل أطياف المعارضة تتجاهلها في محاولة خاصة من جانبها ، ناهيك عن أنها تلمس قضية أقرب للكيان الاخواني منه إلي المشاكل الملحة والبارزة علي المستوي الشعبي في الوقت الحالي وسوف تكون فرصة كبيرة سانحة للنظام للإنقضاض علي الجماعة ولا اتوقع أن النظام سيتخلي عنها .
أما خيار السكوت عن ما حدث وإبتلاعه يشبه إبتلاع العلقم ، فهو سيؤدي إلي شعور متنام بالعجز وقلة الحيلة لدي اطراف الجماعة وسيزيد اشكالية الاحتقان الشبابي الذي يرفض فطرياً فكرة إدارة الخد الأيسر ، ويحمل هذا الخيار إن لم يؤدي إلي مشكلة داخلية كبيرة وحقيقية إلي شعور متزايد بفقد الثقة في الإدارة السياسية للقيادة الاخوانية للأزمة كلها ، وسوف يضع علامات استفهام حول ذلك ، لن يحلها التركيز علي قيم الثبات والصبر والاحتساب ، لشدة الأحكام التي صدرت وقسوتها .
يبقي الخيار الثالث والذي يحمل اشكاليات ناجمة أيضاً عن التجربة الماضية وهي خيار المشاركة في الاضراب الذي دعا إليه الشباب يوم الرابع من مايو للاستفادة منه في تحقيق رد يتداخل مع الرد الشعبي ويفيد الطرفين ، فيقوي شوكة الاضراب من ناحية المعارضة ويعطي الجماعة القدرة علي الرد والفعل من جانبها إلا أنه علي الرغم من تحقيق ذلك فهو سوف يضيف إشكاليات متعددة تصيب التنظيم وإن كنت اظنها اقل حدة من خطورة تجاهل الإضراب والسكوت عن ما حدث
تبرز أكبر الاشكاليات في هذا الطرح في أنها ستعد نقطة هجوم مباشرة علي النظام وستنقل الاخوان إلي ميدان جديد غير الميدان المعتاد والذي كان يتمثل في الانتخابات وخلافه ، إلي إطار رفض النظام في حد ذاته وهو الذي كان يخشاه الاخوان دائماً بعد تجربة الستينات ، ويبتعدون عنه من خلال الكثير من التصريحات التي صدرت عن القيادة في الفترة الاخيرة
والنقطة الثانية أن موعد الاضراب وهو الرابع من مايو يمثل تحدياً واضحاً وبارزاً لشخص الرئيس حيث أنه يأتي في يوم مولده
والنقطة الثالثة أنه سيؤكد للكثير من أطياف المعارضة النقطة المصلحية في توجه الاخوان وتحركاتهم ، نتيجة الرفض المسبق للاشتراك في الاضراب الأول للأسباب الاخوانية التي لن تتغير كثيراً عن الاضراب الجديد في كون غياب جهة مسئولة محددة عنه أو تحقق ضمانات كافية حوله ، اللهم إلا إذا أعتذر الاخوان صراحة عن ذلك وأبدوا خطاءهم في عدم المشاركة في الاضراب الأول وإن كنت استبعد ذلك ، فلم يحدث أن أعتذر الاخوان سابقاً عن أداء او ممارسة نتيجة قناعة ، اللهم إلا إذا كانت ستسبب خسائر كبيرة في مواجهة او علي شاكلة ذلك مع النظام كتجربة العرض الرياضي في الجامعة .
أتصور أن الوقت الممنوح للاخوان للتحرك والتفكير واتخاد القرار محدود للغاية ، لإقتراب موعد الرابع من مايو ولعدم قدرة الاخوان للدعوة إلي عمل سياسي كبير بعده بفترة وجيزة وبصورة منفردة إن لم يكن صعباً للغاية .
مما يعطيني تأكيداً علي أن الجماعة في موقف لا تحسد عليه ، فهي امام خيارات أحلاها شديد المرارة وليس مراً فقط ، والوقت المتاح أمامها ليس بالكثير ، كما أن تكلفة السكوت وإبتلاع الموقف ليست بالهينة ، فالمؤكد أن لها تبعاتها علي الكيان قبل تأثيرها في المتعاطفين معها .
في النهاية أتخيل أن الخيار الثالث هو أقل الخيارات خسائراً وأكثرها قرباً من الواقع الشعبي ودعماً لخياراته الجديدة حسب ما يبدوا في الافق ، ورغم صعوبة هذا القرار واتخاذه لدي العقلية المحركة للجماعة وكذلك تكلفة تبعاته وما يستلزمه من تغير في عقلية إدارة الصراع داخل الوطن إلا أنه يتبقي للمهتمين بما يحدث داخل الوطن البحث عن أفضل الحلول وانسبها لفتح بارقة أمل في هذا المستقبل الغائم علي جميع الحريصيين علي هذا الوطن .
أمين محمد أمين
16/04/2008
ترددت هذه الكلمة في عقلي وأنا أتابع المشهد الحالي في مصر ، فقد وردت في الفيلم الرائع " أسد الصحراء " والتي تروي قصة المجاهد العظيم عمر المختار في النسخة المعربة من الفيلم ، حيث كان القائد الايطالي في أحد مخطاطاته يسعي لجر المجاهدين وحصارهم في أحد المناطق وقد كان يتطلب ذلك السيطرة علي جسر استراتيجي ، وكان القائد الايطالي يحاول إخفاء نيته ، فقام بضرب متواصل بالمدفعية واستخدام للغاز لحصار المجاهدين ومنعهم من التفكير في خطته والمراد منها ، ولكن القائد ذا البصيرة أخذ يفكر كثيرا متسائلاً بعد أن أخبره المساعد أنه لم يكف الضرب عن المجاهدين طيلة ثلاث ليال متواصلة ، قائلاً " لكنه دفعنا إلي هنا .. ماذا يعني ذلك ؟ " ليفهم في النهاية أنه يبغي جسراً استراتيجياً ، وتأكد من هذا الغرض وهنا أعد الخطة التي أدت إلي إفشال خطة الضابط الإيطالي تماماً وبخسائر فادحة
تذكرت هذه اللقطة السينمائية الرائعة التي تعبر بصدق عن أهمية إدارة الصراعات بالعقل ، فلا تكفي الأعداد ولا الخسائر لتحقيق الانتصارات ، كما أن تراكم الانجازات لا ينبني علي اساس تراكم التضحيات مالم تكن هذه التضحيات داخل إطار تجربة محددة الزمان والاهداف لتحقيق غايات محددة ومقبولة وموضوعية
راودتني هذه الخاطرة وأنا أتابع المشهد بعد المحاكمة الصورية التي تفنن النظام فيها في ممارسة ألعابه القذرة ، ليضع جماعة الأخوان في موقف سياسي لا يحسدون عليه
فأظن حسب التصور أن الجماعة الآن بعد هذه الاحكام شديدة القسوة وشديدة الاجحاف أمام خيارات محدودة لا تزيد عن ثلاث خيارات وكلها تنضم إلي قائمة الخيارات الصعبة
فخيار الرد علي النظام والدخول في مواجهة ولو محدودة أو حتى تعبيرية عن الغضب من الاحكام دفاعاً عن الكيان وإثباتاً لأعضائه أن الكيان يدافع عنهم سوف يدخل الجماعة في صورة جديدة من الصراع الفردي وستجد نفسها في الميدان وحيدة إذا حاولت ذلك لأنها تجاهلت أطياف المعارضة في الاضراب السابق وانتخابات المحليات والشوري ، مما سيجعل أطياف المعارضة تتجاهلها في محاولة خاصة من جانبها ، ناهيك عن أنها تلمس قضية أقرب للكيان الاخواني منه إلي المشاكل الملحة والبارزة علي المستوي الشعبي في الوقت الحالي وسوف تكون فرصة كبيرة سانحة للنظام للإنقضاض علي الجماعة ولا اتوقع أن النظام سيتخلي عنها .
أما خيار السكوت عن ما حدث وإبتلاعه يشبه إبتلاع العلقم ، فهو سيؤدي إلي شعور متنام بالعجز وقلة الحيلة لدي اطراف الجماعة وسيزيد اشكالية الاحتقان الشبابي الذي يرفض فطرياً فكرة إدارة الخد الأيسر ، ويحمل هذا الخيار إن لم يؤدي إلي مشكلة داخلية كبيرة وحقيقية إلي شعور متزايد بفقد الثقة في الإدارة السياسية للقيادة الاخوانية للأزمة كلها ، وسوف يضع علامات استفهام حول ذلك ، لن يحلها التركيز علي قيم الثبات والصبر والاحتساب ، لشدة الأحكام التي صدرت وقسوتها .
يبقي الخيار الثالث والذي يحمل اشكاليات ناجمة أيضاً عن التجربة الماضية وهي خيار المشاركة في الاضراب الذي دعا إليه الشباب يوم الرابع من مايو للاستفادة منه في تحقيق رد يتداخل مع الرد الشعبي ويفيد الطرفين ، فيقوي شوكة الاضراب من ناحية المعارضة ويعطي الجماعة القدرة علي الرد والفعل من جانبها إلا أنه علي الرغم من تحقيق ذلك فهو سوف يضيف إشكاليات متعددة تصيب التنظيم وإن كنت اظنها اقل حدة من خطورة تجاهل الإضراب والسكوت عن ما حدث
تبرز أكبر الاشكاليات في هذا الطرح في أنها ستعد نقطة هجوم مباشرة علي النظام وستنقل الاخوان إلي ميدان جديد غير الميدان المعتاد والذي كان يتمثل في الانتخابات وخلافه ، إلي إطار رفض النظام في حد ذاته وهو الذي كان يخشاه الاخوان دائماً بعد تجربة الستينات ، ويبتعدون عنه من خلال الكثير من التصريحات التي صدرت عن القيادة في الفترة الاخيرة
والنقطة الثانية أن موعد الاضراب وهو الرابع من مايو يمثل تحدياً واضحاً وبارزاً لشخص الرئيس حيث أنه يأتي في يوم مولده
والنقطة الثالثة أنه سيؤكد للكثير من أطياف المعارضة النقطة المصلحية في توجه الاخوان وتحركاتهم ، نتيجة الرفض المسبق للاشتراك في الاضراب الأول للأسباب الاخوانية التي لن تتغير كثيراً عن الاضراب الجديد في كون غياب جهة مسئولة محددة عنه أو تحقق ضمانات كافية حوله ، اللهم إلا إذا أعتذر الاخوان صراحة عن ذلك وأبدوا خطاءهم في عدم المشاركة في الاضراب الأول وإن كنت استبعد ذلك ، فلم يحدث أن أعتذر الاخوان سابقاً عن أداء او ممارسة نتيجة قناعة ، اللهم إلا إذا كانت ستسبب خسائر كبيرة في مواجهة او علي شاكلة ذلك مع النظام كتجربة العرض الرياضي في الجامعة .
أتصور أن الوقت الممنوح للاخوان للتحرك والتفكير واتخاد القرار محدود للغاية ، لإقتراب موعد الرابع من مايو ولعدم قدرة الاخوان للدعوة إلي عمل سياسي كبير بعده بفترة وجيزة وبصورة منفردة إن لم يكن صعباً للغاية .
مما يعطيني تأكيداً علي أن الجماعة في موقف لا تحسد عليه ، فهي امام خيارات أحلاها شديد المرارة وليس مراً فقط ، والوقت المتاح أمامها ليس بالكثير ، كما أن تكلفة السكوت وإبتلاع الموقف ليست بالهينة ، فالمؤكد أن لها تبعاتها علي الكيان قبل تأثيرها في المتعاطفين معها .
في النهاية أتخيل أن الخيار الثالث هو أقل الخيارات خسائراً وأكثرها قرباً من الواقع الشعبي ودعماً لخياراته الجديدة حسب ما يبدوا في الافق ، ورغم صعوبة هذا القرار واتخاذه لدي العقلية المحركة للجماعة وكذلك تكلفة تبعاته وما يستلزمه من تغير في عقلية إدارة الصراع داخل الوطن إلا أنه يتبقي للمهتمين بما يحدث داخل الوطن البحث عن أفضل الحلول وانسبها لفتح بارقة أمل في هذا المستقبل الغائم علي جميع الحريصيين علي هذا الوطن .
أمين محمد أمين
16/04/2008
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية