لماذا لا يظهر عندنا رجال دولة ؟
أخذني السؤال وأنا اتصفح " ويكيبيديا " بحثاً عن معلومة حول الأباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية ، وهم القادة السياسيين الذين وقعوا إعلان الاستقلال الأمريكي أو شاركوا في الثورة الأمريكية كقواد وطنيين ، أو الذين شاركوا بعد 12 عام من السجالات والمناظرات الفكرية بصياغة الدستور الامريكي في عملية شديدة التعقيد لصناعة دولة بما يحمله الدستور من فصل بين السلطات الثلاث القضائية والتنفيذية والتشريعية ، وكذلك ما يحمله من مرونة للتعامل مع المستجدات التي تطرأ علي الواقع ، ناهيك عن أن الثورة الأمريكية والرغبة في الإستقلال جاءت نتيجة عن زيادة الضرائب والالتزامات التي كانت تفرضها الامبراطورية البريطانية علي الشعب الأمريكي الذي دفع هؤلاء القادة إلي اعلان التمرد والاستقلال عن الوطن الأم وما تحمله التفاصيل من الكثير ، كانت التجربة الوليدة ملئ برجالات الجيش والمفكرين ورجال الأعمال جمعهم شئ واحد في ذهني ، أنهم كانوا رجال دولة يسعون لإنشاء دولة عصرية متميزة وها نحن نتابعها كأقوي دولة علي وجه البسيطة .
هناك قصة تناولها أحد الأصدقاء في حواري لي معه لها علاقة كبيرة بإحترام الأحكام القضائية وتنفيذها وتدل علي الدول المتحضرة وكيف تتعامل مع أحكام قضائها ، أثناء الحرب العالمية الثانية كان يوجد في بريطانيا مطار حربي يقع بجوار احدي المحاكم ، وقد أدي أزيز الطائرات نظراً لكثرة عمليات الهبوط والتحليق إلي التشويش علي أعمال المحكمة ، الأمر الذي دفع القاضي إلي اصدار حكم بنقل المطار إلي مكان آخر ، ونتيجة لظروف الحرب الطاحنة رفض قائد المطار تنفيذ الحكم ، واشتكي إلي ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت فرد عليه بمقولة تاريخية قائلاً : لأن يقال ان بريطانيا هزمت في الحرب أفضل عندي من أن يقال أنها امتنعت عن تنفيذ حكم قضائي ، فبريطانيا المهزومة هي دولة هزمت في حرب ، أما عدم تنفيذ الأحكام القضائية فهو اختفاء لوجود الدولة بالأساس ، قفزت الفكرة نفسها هذا رجل دولة
شارل ديغول مؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة ، وأحد أكبر صانعي مكانة فرنسا في القرن العشرين ومحررها من الاحتلال الألماني ، يستقيل عقب الاضطرابات الاجتماعية والطلابية التي شهدتها فرنسا عام 1968 م في موقف تاريخي نادر ليترك الفرصة لتجربة أخرى قادرة علي تخطي هذه المشكلة في اثبات آخر علي معني الحفاظ علي وجود الدولة لتأتي ذات الفكرة أنه كان رجل دولة
لماذا أذهب بعيداً فتاريخنا الذهبي يحمل نفس الشئ ، فموقف الخليفة العظيم أبو بكر الصديق رضي الله عنه في التعامل مع مانعي الزكاة ، يسطر في سجاله مع الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بقولته الشهيرة " لو منعوني عقال بعير كان يعطونه رسول الله لقاتلتهم عليه بالسيف " بعد مقولة الفاروق " أتقاتلهم وهم يشهدون أن لا إله إلا الله " في رؤية واضحة لمفهوم الحفاظ علي الدولة وبنيانها ، ولم يختلف بعده الفاروق كثيراً في إبتكار مالم يكن موجودا من قبله في تنظيم شئون الدولة من دواوين وبيت للمال وفصل للقضاء وإنشاء للشرطة ، وتلاه الخليفة الراشد علي بن أبي طالب في التعامل مع الخوارج حتى أن أحد اشتراطاته لقتالهم أن لا يقاتلوهم مالم يقاتلوا أهل الذمة ، في رؤية واضحة متجاوزة لزمانهم في فهم معني الحفاظ علي الدولة وكيانها وتماسكها ، يجمعون بمواقفهم علي أنهم كانوا رجال دولة
علي الوجة الآخر لهذه القصص والأمثلة تابعت حواراً لأحد الكتاب يتسأل عن دور رجال الأعمال في وطننا في دعم المشروعات الاجتماعية والصحية والاقتصادية والفكرية والذي تحدث فيها بنوع من السخرية علي أصحاب الفضائيات الذين لا يفكرون حتى في إنشاء مستشفيات بل إن اقصي ما استطاعوا القيام به هو الدعوة لجمع تبرعات لها من خلال قنواتهم
في المشهد السياسي وأن أتابع حلقات مسلسل الجماعة الشهير وبعيداً عن كل التفاصيل المتعلقة بالمسلسل والسجالات التي دارت حول المسلسل وتاريخ الجماعة استوقفني سؤال واحد وجدته يطال حتى أركان وطننا العربي بتنظيماته المختلفة ، لماذا يظهر عندنا رجال تنظيمات يملأون أوطاننا بالشعارت الضخمة ولا يظهر عندنا رجال دولة يساهمون في بناء أوطاننا أو يسعون للمحافظة علي وجود الدولة بكل تفاصيلها بدلاً من تهديدها وجرها إلي ما وصلت إليه أوطاننا من ضعف علي كافة المستويات حتى صارت عاجزة عن أن تلبي احتياجاتنا الاساسية
في الحادثة الشهيرة لإختفاء المواطنة المصرية " كاميليا " والحوار القائم والتصريحات القادمة من الكنيسة ، يظهر بوضوح تام غياب مفهوم الدولة عن الجميع ويتبعه غياب وجود ولو علي مستوي المعارضة لرجال دولة ، اللهم إلا من بعض الأصوات الخافته هنا وهناك تحاول البحث عن إطار حقيقي لإعادة الاعتبار للدولة ، مع أنه الحل الوحيد للمشكلة القائمة وكل الحلول الآخر تصب في صالح صراع لن يخسر فيه إلا أطرافه
ترددت أن أسطر كلمة للرد علي المتحاورين خوفاً من أن يأتيني السؤال الذي لاحظت أن الكثير يحمله ، ولماذا نسعي لتكوين دولة أو للحفاظ علي وجود الدولة ، نحن مسلمون ونسعي لأن نكون أمة إسلامية لا دولة
لن أذهب إلي مقدمة ابن خلدون أو جان جاك رسو حول العقد الاجتماعي فلن يكون لهؤلاء المتحاورين الوقت والجهد ليتابعوا ذلك لأنهم علي حد اعتقادي لا يبحثون عن الدولة في كتابات هؤلاء ، بل يبحثون عن رجال دولة يرسخون معناها داخل أذهانهم حتى لا يقعوا ضحايا التنظيمات والطوائف والمصالح الفردية المرتبطة بالغرائز
عدت إلي تساؤلي الأول لماذا لا يظهر عندنا رجال دولة ؟
أمين محمد أمين
12/09/2010
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية