استوقفتني من قرآتي ( 3 )
التفكير المستقيم والتفكير الأعوج
تأليف: روبرت هـ. ثاولس
ترجمة: حسن سعيد الكرمي
والواقع أننا لو فرضنا أن كيماويا اعتمد في إجراء تجربة له على هذا النوع من التفكير الذي تستعمله أمة من الأمم في انتخاب حكامها أو في اتخاذ قرار بشأن صلح أو حرب مع الأمم الأخرى لكانت النتيجة أن ينسف هذا الكيماوي مختبره. ولكن هذه المصيبة ضئيلة الشأن بالقياس إلى ما قد يسفر عنه التفكير الانفعالي في القضايا السياسية فنسف مائة مختبر أهون بكثير من نسف المدنية بأسرها ويجب أن نتطلع إلى اليوم الذي يصبح فيه التفكير في الشئون السياسية والدولية خاليا تماما من الانفعالات ومصطبغا بالصبغة العلمية شأنه شأن البحث في خصائص الأعداد أو في الوزن الذري للعناصر ذلك لان روح البحث العلمي المنزهة عن الغرض في الأمور الواقعية غير المتأثرة بالانفعالات التي لا داعي لها كان لها الفضل في إحراز أشواط بعيدة من التقدم في العلوم.
فلو كان المراد في وقت من الأوقات هو حفز الشعب على بذل الجهد للقيام بعمل شاق على النفس والجسم كما في حالة الحرب أو الثورة فان الخطابة الانفعالية تكون أداة نافعة لحملهم على القيام بذلك العمل ولكن اذا كان المطلوب من الناس في الانتخابات هو التفكير الواضح والتوصل إلى قرار معقول فان استعمال اللغة الانفعالية عند الخطباء السياسيين يصبح أمرا مستهجنا تماما لأنه يزيد من صعوبة التفكير الواضح والتوصل إلى قرار معقول .
ولكن المعروف مع ذلك أن الخطباء السياسيين يحرصون عادة على خلق الاقتناع في النفوس اكثرمما يحرصون على تشجيع التفكير الواضح وعلى هذا فانهم سيظلون دائبيين على استعمال اللغة الانفعالية ولا يمكن أن يوقفهم شيء عما يقوله العالم النفساني بيد أننا من ناحية أخرى نستطيع أن ندرب أنفسنا لنصبح في مأمن من تأثير هذه اللغة وهذا لا يتأتى إلا إذا صرنا على وعي بما يحدث في هذا الصدد وصرنا نفكر في المعاني الواقعية لما يقوله الخطيب بصرف النظر عن معانيه الانفعالية ولم نستجب له بالطريقة الانفعالية التي يريدها.
ونحن إذ نستنكر مثل هذا الاستخدام للكلمات الانفعالية في كتاباتنا وخطاباتنا يجب أن نتذكر أن هذا الاستخدام دليل على شر متأصل وهو انتشار هذه الكلمات في تفكيرنا الخاص الكامن في نفوسنا وكثير من خطبائنا السياسيين الذين لهم لون صريح في السياسة ولهم خطب تثيرنا كما يثيرنا الشعر الرومانسي يظهرون عجزا واضحا عن التفكير الرصين والموضوعي في أية قضية فقد عود هؤلاء أنفسهم على التفكير عن طريق كلمات أو عبارات ذوات صبغة انفعالية وأدمنوا على ذلك حتى انهم لا يستطيعون من بعد ذلك أن يفكروا بغير هذه الطريقة. هؤلاء كان ينبغي عليهم أن يكونوا شعراء أو خطباء محترفين وليس لهم حتما أن يكونوا من رجال السياسة والحكم.
ترجمة: حسن سعيد الكرمي
والواقع أننا لو فرضنا أن كيماويا اعتمد في إجراء تجربة له على هذا النوع من التفكير الذي تستعمله أمة من الأمم في انتخاب حكامها أو في اتخاذ قرار بشأن صلح أو حرب مع الأمم الأخرى لكانت النتيجة أن ينسف هذا الكيماوي مختبره. ولكن هذه المصيبة ضئيلة الشأن بالقياس إلى ما قد يسفر عنه التفكير الانفعالي في القضايا السياسية فنسف مائة مختبر أهون بكثير من نسف المدنية بأسرها ويجب أن نتطلع إلى اليوم الذي يصبح فيه التفكير في الشئون السياسية والدولية خاليا تماما من الانفعالات ومصطبغا بالصبغة العلمية شأنه شأن البحث في خصائص الأعداد أو في الوزن الذري للعناصر ذلك لان روح البحث العلمي المنزهة عن الغرض في الأمور الواقعية غير المتأثرة بالانفعالات التي لا داعي لها كان لها الفضل في إحراز أشواط بعيدة من التقدم في العلوم.
فلو كان المراد في وقت من الأوقات هو حفز الشعب على بذل الجهد للقيام بعمل شاق على النفس والجسم كما في حالة الحرب أو الثورة فان الخطابة الانفعالية تكون أداة نافعة لحملهم على القيام بذلك العمل ولكن اذا كان المطلوب من الناس في الانتخابات هو التفكير الواضح والتوصل إلى قرار معقول فان استعمال اللغة الانفعالية عند الخطباء السياسيين يصبح أمرا مستهجنا تماما لأنه يزيد من صعوبة التفكير الواضح والتوصل إلى قرار معقول .
ولكن المعروف مع ذلك أن الخطباء السياسيين يحرصون عادة على خلق الاقتناع في النفوس اكثرمما يحرصون على تشجيع التفكير الواضح وعلى هذا فانهم سيظلون دائبيين على استعمال اللغة الانفعالية ولا يمكن أن يوقفهم شيء عما يقوله العالم النفساني بيد أننا من ناحية أخرى نستطيع أن ندرب أنفسنا لنصبح في مأمن من تأثير هذه اللغة وهذا لا يتأتى إلا إذا صرنا على وعي بما يحدث في هذا الصدد وصرنا نفكر في المعاني الواقعية لما يقوله الخطيب بصرف النظر عن معانيه الانفعالية ولم نستجب له بالطريقة الانفعالية التي يريدها.
ونحن إذ نستنكر مثل هذا الاستخدام للكلمات الانفعالية في كتاباتنا وخطاباتنا يجب أن نتذكر أن هذا الاستخدام دليل على شر متأصل وهو انتشار هذه الكلمات في تفكيرنا الخاص الكامن في نفوسنا وكثير من خطبائنا السياسيين الذين لهم لون صريح في السياسة ولهم خطب تثيرنا كما يثيرنا الشعر الرومانسي يظهرون عجزا واضحا عن التفكير الرصين والموضوعي في أية قضية فقد عود هؤلاء أنفسهم على التفكير عن طريق كلمات أو عبارات ذوات صبغة انفعالية وأدمنوا على ذلك حتى انهم لا يستطيعون من بعد ذلك أن يفكروا بغير هذه الطريقة. هؤلاء كان ينبغي عليهم أن يكونوا شعراء أو خطباء محترفين وليس لهم حتما أن يكونوا من رجال السياسة والحكم.
وإذا كانت حالات العداوة بين أمة من الأمم أصعب في فضها من الشجار بين الجيران الذين يتشاجرون بسبب حيواناتهم الأليفة فذلك أدعى إلى أن تفض العداوات بين الأمم حتى لا يسبب خطرها تهديدا متزايدا بوقوع حرب كبرى بالأسلحة الحديثة تؤدي إلى نكبة لا يمكن تلافيها ويذهب ضحيتها الجنس البشري ولذلك فان الذين ينظرون إلى حوادث التوتر بين الدول من وجهة نظر تختلف عن وجهة نظر مصالحهم القومية الخاصة يؤدون خدمة حقيقية للجنس البشري وإنه مما يزيد حدة سوء التفاهم بين الدول على الدوام تلك الخطب الحماسية الوطنية التي تلقى في دولتين تكون إحداهما في حالة نزاع مع الأخرى وسكان العالم لا يزالون بعيدين عن هذا الوضع من التفكير الصريح بعدا يمنعهم من أن ينظروا إلى مشكلات الدول الأخرى وكأنها مشكلات لهم وتنمية القدرة على هذا التفكير تهيئ لنا الوقاية من الحروب بأحسن مما تهيئه لنا مخاوفنا من الحرب وما نصنعه من أسلحة تتزايد قدرتها على الإفناء والتدمير وهذا ميدان واحد من ميادين مختلفة يؤدي ارتيابنا في سلامة عاداتنا الفكرية فيه إلى التعمق في فهم حقيقة وضع من الأوضاع والى سلوك مسلك له حد أوفى من الرجاحة وا لمعقولية وعلى العموم فان عاداتنا الفكرية يجب أن لا تقبل سلبيا بل يجب أن تعرض على محك التمحيص والانتقاد حتى يتبين صلاحها وكم من أمر كنا نشعر شعورا جازما بصحته اصبح مثارا للتساؤل والشك ولا يضرنا أن نستمع لهذه التساؤلات والشكوك وذلك لكي تكون اعتقاداتنا الراسخة اشد الرسوخ مبنية على قناعة محققة وممحصة لا على عادات فكرية لا غير
ومن المفيد مثلا أن يقرأ الإنسان الجرائد والكتب التي تمثل وجهة نظر ليست وجهة نظرنا الخاصة ، فالمؤمن المسيحي يحسن به أن يقرأ ما يقال ضد المسيحية من منتقدين لها كالفيلسوف نيتشه والفيلسوف برتراند رسل والمحافظ في مذهبه السياسي يفيده أن يقرأ كتابات ماركس أوكروبوتكن أو ماو والذي له أفكار سياسية تميل إلى التحرر من الخير له أن يقرأ ما يقال من الناحية الأخرى في الصحف المحافظة أو ما يقوله الخطباء اليمينيون والذين يؤمنون بأنظمة الزواج كما هي مقررة في تقاليدنا العامة لا يضيرهم أن يقرئوا ما تقوله عنها جرم جرير في كتابها الأنثى الخصية فهؤلاء جميعا قد يعتريهم بعد القراءة إحساس مزعج بان عاداتهم التفكيرية الراسخة قديمة العهد قد تزعزعت ولا يخشى بعد القراءة من انتكاس في آرائهم ولكن هذه الآراء لن تبقى بعد ذلك مبنية على تلك العادات التفكيرية التي ظلت طول الوقت راسخة لا شك فيها بل تصبح أثبت منطقيا وأفضل نتيجة كونها أصبحت على صورة اقتناعات قائمة على العقل وصادرة عن عقول حرة والذين يقفون تجاه ما يعتبرونه هداما في الكتابات والكلام موقفا يدعوهم إلى وجوب طمس ذلك وإخماده ولو بالقوة لا يكون لهم من الإيمان في معقولية الاعتقادات التي يحرصون هم على حمايتها إلا الأقل من القليل وفي اللغة المتداولة عادة بين الناس كلمة يعبر بها عن الاحساسات الممتعضة التي تعترينا حيثما يعرض لنا شيء يتنافى مع عاداتنا الفكرية العزيزة علينا فإننا نقول عندها أننا »صدمنا « ونحن بطبيعة الحال نستنكر أن نصدم وكثير من الناس يؤمنون بضرورة فرض الرقابة على الروايات القصصية والمسرحيات والكتب والأفلام والأحاديث المذاعة لان هذا يقيهم من خطر الإحساس بالصدمة وهؤلاء يتجنبون قراءة الكتب أو الذهاب لمشاهدة االمسرحيات من النوع الذي يمكن أن يصيبهم بصدمة ومن آبائنا من كان يحدب اشد الحدب على عاداته التفكيرية ويرعاها أشد الرعاية فكان يتجنب قراءة كتب للكاتب المسرحي أبسن او لبرنارد شو اعتقادا منه بأن هذين وأمثالهما انما كانوا يقصدون صدمهم ونحن لا نرى في هذه الكتابات ما يصدمنا في ظاهره بشكل خاص لأنهم نجحوا في هدفهم وهو زعزعة العادات التفكيرية عند الناس بنجاح كبير حتى أن الآراء التي أوحوا بها لم تعد مخيفة بل على العكس أصبحت مألوفة وقد تتراءى لنا بعض الآراء بأنها صحيحة وأن البعض الآخر غير صحيح ولكن الآراء جميعها تكون عند التفكير فيها والحديث عنها قد فقدت كل إزعاج كان لها عند الناس.
ويجب أن لا نظن أننا قد ننجو من خطر السجن الذي تفرض علينا عاداتنا التفكيرية بمجرد التخلي عن عاداتنا التفكيرية القديمة التي هي في أكثرها عين عادات الناس الآخرين ثم الشروع في اتخاذ عادات تفكيرية جديدة والذين لهم أفكار مغايرة للخط المستقيم المتبع في أمور الدين والتقاليد المتعارف عليها يواجهون خطرا مماثلاً يغلق عقولهم في وجه الحقائق الجديدة بسبب استمرار أثر عاداتهم التفكيرية القديمة وهو خطر يعادل الخطر الذي يتعرض له الملتزمون بالخط المستقيم في أمور الدين والمتمسكون بالعرف والتقاليد وهم أيضا في حاجة من وقت إلى آخر إلى صدمات تعتري عاداتهم التفكيرية وتخرجهم عنها حتى يظلوا محتفظين بالمرونة في عقولهم.
وواضح أنه ليس من المستحب ولا من الممكن أن نتخلى عن جميع عاداتنا التفكيرية فتكون العادات التفكيرية في النفسي أمر لا مفر منه كتكون العادات الجسمانية وكلتاهما في النفع سواء. ومع ذلك فان من الواجب علينا أن نكون على استعداد باستمرار لإعادة النظر في هذه العادات لان بعض العادات التفكيرية التي خدمتنا في الماضي قد تكون عائقا أو مانعا لنا عن إدراك حقائق جديدة ونحن مختلفون عن الحيوانات الأدنى منا رقيا بأن لنا دماغا معقدا خصبا وهذا الدماغ يجب أن تكون لنا أداة تعطينا مرونة وقدرة على التكيف في سلوكنا وإذا ما سمحنا لأنفسنا بأن نكون أسرى لعاداتنا أصبحنا كالحيوانات الدنيا نعمل أوتوماتيكيا وبصورة ميكانيكية ونكون بذلك قد سمحنا لأدمغتنا بأن ينحط مستواها وتصبح عبارة عن أدوات ميكانيكية بدلا من أن تكون لدن قابلة للتكيف كما قصد منها أصلا.
ولو كانت الأفكار الهوسية مقتصرة على موضوعات مثل كون الأرض مسطحة وغير كروية أو مصير الأسباط العشرة الإسرائيلية أو مقدار النسبة ط فان هذه الأفكار تبقى عديمة الأهمية من ناحية عملية في معيشة الإنسان العادية وان بقيت مهمة من حيث أنها شاهد على قوة المعقول وتأثيره في عقل الإنسان وتصبح هذه الأفكار خطيرة إذا هي اتخذت شكلا يشبه الهوس الذي يصيب الإنسان إذا كان تحت وهم باطل بأنه مضطهد والصورة المماثلة لهذا النوع من الهوس تكون كما يلي: هناك عدو مجهول "س" وهذا العدو مكار قوي خبيث وغرضه القضاء على حضارتنا فهو المسبب لإدمان اﻟﻤﺨدرات وللشذوذ في العلا قات الجنينة ولإضرابات العمال ولتظاهرات الطلاب وللحروب فهذا العدو " س "يمكن أن نجعله ينطبق على جماعة معروفة أو أن نتركه غاشا مبهما فقد نجعله ينطبق على اليهود أو على الشيوعين أو على ا لماسونيين أو أية مجموعة من هؤلاء وطريقة العمل عند العدو "س" قد تكون مؤامرة واسعة المدى والانتشار وقد يكون المتحررون من أبناء شعبنا ضالعين في هذه المؤامرة دون وعي منهم بذلك
والرجل المسئول في الدولة الذي يعتمد في خطبه العامة على التفكيرالمبسط تبسيطا مسرفا بان يبالغ في تبسيط القضايا ويستعمل ذلك في الشؤون الدولية كأن يشير مثلا إلى حكومة دولة أخرى بأنها جماعة من القتلة " يجب أن يحرم من منصبه ويعطي منصبا يكون التفكير المبسط فيه أدعى إلى الفائدة فيمكنه مثلا أن يجد لنفسه عملا ملائما بأن يعمل منظما لهتافات الجمهور المشاهد لمباراة كرة القدم لإحدى الجامعات الأمريكية ذلك أن التفكير المبسط في شئون الأمة الداخلية لا يفضل هذا بكثير ولا يستطيع أحد أن يعرف مدى ما يسفر عنه التفكير المبسط من مشاحنات ومن جهد ضائع في مجال العلاقات بين الجنسين وفي إضرابات العمال وعملية الربح واختلاف الناس إذا تباينت ألوان جلودهم.
ومن المفيد مثلا أن يقرأ الإنسان الجرائد والكتب التي تمثل وجهة نظر ليست وجهة نظرنا الخاصة ، فالمؤمن المسيحي يحسن به أن يقرأ ما يقال ضد المسيحية من منتقدين لها كالفيلسوف نيتشه والفيلسوف برتراند رسل والمحافظ في مذهبه السياسي يفيده أن يقرأ كتابات ماركس أوكروبوتكن أو ماو والذي له أفكار سياسية تميل إلى التحرر من الخير له أن يقرأ ما يقال من الناحية الأخرى في الصحف المحافظة أو ما يقوله الخطباء اليمينيون والذين يؤمنون بأنظمة الزواج كما هي مقررة في تقاليدنا العامة لا يضيرهم أن يقرئوا ما تقوله عنها جرم جرير في كتابها الأنثى الخصية فهؤلاء جميعا قد يعتريهم بعد القراءة إحساس مزعج بان عاداتهم التفكيرية الراسخة قديمة العهد قد تزعزعت ولا يخشى بعد القراءة من انتكاس في آرائهم ولكن هذه الآراء لن تبقى بعد ذلك مبنية على تلك العادات التفكيرية التي ظلت طول الوقت راسخة لا شك فيها بل تصبح أثبت منطقيا وأفضل نتيجة كونها أصبحت على صورة اقتناعات قائمة على العقل وصادرة عن عقول حرة والذين يقفون تجاه ما يعتبرونه هداما في الكتابات والكلام موقفا يدعوهم إلى وجوب طمس ذلك وإخماده ولو بالقوة لا يكون لهم من الإيمان في معقولية الاعتقادات التي يحرصون هم على حمايتها إلا الأقل من القليل وفي اللغة المتداولة عادة بين الناس كلمة يعبر بها عن الاحساسات الممتعضة التي تعترينا حيثما يعرض لنا شيء يتنافى مع عاداتنا الفكرية العزيزة علينا فإننا نقول عندها أننا »صدمنا « ونحن بطبيعة الحال نستنكر أن نصدم وكثير من الناس يؤمنون بضرورة فرض الرقابة على الروايات القصصية والمسرحيات والكتب والأفلام والأحاديث المذاعة لان هذا يقيهم من خطر الإحساس بالصدمة وهؤلاء يتجنبون قراءة الكتب أو الذهاب لمشاهدة االمسرحيات من النوع الذي يمكن أن يصيبهم بصدمة ومن آبائنا من كان يحدب اشد الحدب على عاداته التفكيرية ويرعاها أشد الرعاية فكان يتجنب قراءة كتب للكاتب المسرحي أبسن او لبرنارد شو اعتقادا منه بأن هذين وأمثالهما انما كانوا يقصدون صدمهم ونحن لا نرى في هذه الكتابات ما يصدمنا في ظاهره بشكل خاص لأنهم نجحوا في هدفهم وهو زعزعة العادات التفكيرية عند الناس بنجاح كبير حتى أن الآراء التي أوحوا بها لم تعد مخيفة بل على العكس أصبحت مألوفة وقد تتراءى لنا بعض الآراء بأنها صحيحة وأن البعض الآخر غير صحيح ولكن الآراء جميعها تكون عند التفكير فيها والحديث عنها قد فقدت كل إزعاج كان لها عند الناس.
ويجب أن لا نظن أننا قد ننجو من خطر السجن الذي تفرض علينا عاداتنا التفكيرية بمجرد التخلي عن عاداتنا التفكيرية القديمة التي هي في أكثرها عين عادات الناس الآخرين ثم الشروع في اتخاذ عادات تفكيرية جديدة والذين لهم أفكار مغايرة للخط المستقيم المتبع في أمور الدين والتقاليد المتعارف عليها يواجهون خطرا مماثلاً يغلق عقولهم في وجه الحقائق الجديدة بسبب استمرار أثر عاداتهم التفكيرية القديمة وهو خطر يعادل الخطر الذي يتعرض له الملتزمون بالخط المستقيم في أمور الدين والمتمسكون بالعرف والتقاليد وهم أيضا في حاجة من وقت إلى آخر إلى صدمات تعتري عاداتهم التفكيرية وتخرجهم عنها حتى يظلوا محتفظين بالمرونة في عقولهم.
وواضح أنه ليس من المستحب ولا من الممكن أن نتخلى عن جميع عاداتنا التفكيرية فتكون العادات التفكيرية في النفسي أمر لا مفر منه كتكون العادات الجسمانية وكلتاهما في النفع سواء. ومع ذلك فان من الواجب علينا أن نكون على استعداد باستمرار لإعادة النظر في هذه العادات لان بعض العادات التفكيرية التي خدمتنا في الماضي قد تكون عائقا أو مانعا لنا عن إدراك حقائق جديدة ونحن مختلفون عن الحيوانات الأدنى منا رقيا بأن لنا دماغا معقدا خصبا وهذا الدماغ يجب أن تكون لنا أداة تعطينا مرونة وقدرة على التكيف في سلوكنا وإذا ما سمحنا لأنفسنا بأن نكون أسرى لعاداتنا أصبحنا كالحيوانات الدنيا نعمل أوتوماتيكيا وبصورة ميكانيكية ونكون بذلك قد سمحنا لأدمغتنا بأن ينحط مستواها وتصبح عبارة عن أدوات ميكانيكية بدلا من أن تكون لدن قابلة للتكيف كما قصد منها أصلا.
ولو كانت الأفكار الهوسية مقتصرة على موضوعات مثل كون الأرض مسطحة وغير كروية أو مصير الأسباط العشرة الإسرائيلية أو مقدار النسبة ط فان هذه الأفكار تبقى عديمة الأهمية من ناحية عملية في معيشة الإنسان العادية وان بقيت مهمة من حيث أنها شاهد على قوة المعقول وتأثيره في عقل الإنسان وتصبح هذه الأفكار خطيرة إذا هي اتخذت شكلا يشبه الهوس الذي يصيب الإنسان إذا كان تحت وهم باطل بأنه مضطهد والصورة المماثلة لهذا النوع من الهوس تكون كما يلي: هناك عدو مجهول "س" وهذا العدو مكار قوي خبيث وغرضه القضاء على حضارتنا فهو المسبب لإدمان اﻟﻤﺨدرات وللشذوذ في العلا قات الجنينة ولإضرابات العمال ولتظاهرات الطلاب وللحروب فهذا العدو " س "يمكن أن نجعله ينطبق على جماعة معروفة أو أن نتركه غاشا مبهما فقد نجعله ينطبق على اليهود أو على الشيوعين أو على ا لماسونيين أو أية مجموعة من هؤلاء وطريقة العمل عند العدو "س" قد تكون مؤامرة واسعة المدى والانتشار وقد يكون المتحررون من أبناء شعبنا ضالعين في هذه المؤامرة دون وعي منهم بذلك
والرجل المسئول في الدولة الذي يعتمد في خطبه العامة على التفكيرالمبسط تبسيطا مسرفا بان يبالغ في تبسيط القضايا ويستعمل ذلك في الشؤون الدولية كأن يشير مثلا إلى حكومة دولة أخرى بأنها جماعة من القتلة " يجب أن يحرم من منصبه ويعطي منصبا يكون التفكير المبسط فيه أدعى إلى الفائدة فيمكنه مثلا أن يجد لنفسه عملا ملائما بأن يعمل منظما لهتافات الجمهور المشاهد لمباراة كرة القدم لإحدى الجامعات الأمريكية ذلك أن التفكير المبسط في شئون الأمة الداخلية لا يفضل هذا بكثير ولا يستطيع أحد أن يعرف مدى ما يسفر عنه التفكير المبسط من مشاحنات ومن جهد ضائع في مجال العلاقات بين الجنسين وفي إضرابات العمال وعملية الربح واختلاف الناس إذا تباينت ألوان جلودهم.
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية