معارك الثورة الخمسة
تعتبر عملية تحديد شكل وهيئة الصراع ونوعيته
من المهمات الأساسية لأي لاعب او محلل سياسي ، وتكمن خطورة غياب تحديد نوعية
الصراع أو المعركة إلي خسائر فادحة في الغالب ينتهي الصراع فيها في أغلب الأحيان
للأكثر قراءة وقدرة علي فهم طبيعة ونوعية وتوقيت المعركة.
ظهر واضحاً وجلياً منذ بداية ثورة 25 يناير
وحتى الآن غياب القيادة والرؤية الخاصة بالثورة ، اللهم إلا من محاولات ضعيفة
للإستنتاج أو التوجية هنا وهناك ، وتتابع الأحداث يؤكد غياب أفق واضح أو رؤية
سياسية محكمة تدفع في إتجاهات ثورية فعالة ، بداية من الاستفتاء إلي الإعلان
الدستوري إلي تجاهل تحديد مطالب تفصيلية تدفع في اتجاه المطالب العامة أو الأهداف
العامة للثورة ، وظهر أكثر غياب كبير وواضح للرؤية والاستراتيجية داخل الفاعليين
السياسيين من المنظمات والأفراد داخل المجتمع .
إن تحديد محاور الصراع وجبهات العمل ومحاولة
الاستفادة منها والتأثير فيها أو تحييدها علي أقل تقدير هو من أهم ضروريات نجاح
إدارة أي صراع داخل الوطن للوصول إلي طريق تحقيق غايات الثورة أو علي الاقل الحفاظ
علي قدرتها وفعاليتها للتمهيد لتغيير حقيقي علي الأرض .
المعارك التي تخوضها الثورة :ـ
1 ـ المعركة مع المجلس العسكري
يثور تساؤل واضح هنا علي نوعية العلاقة أو
الصراع مع المجلس العسكري منذ البداية وحتى الآن ، وهل هو صدام صفري ؟ "
بمعني أن علي طرف أن يزيح الآخر تماماً " ، أم يمكن الوصول إلي حلول مؤقتة أو
دائمة ، بصورة أكثر بساطة هل عملية الصدام مع المجلس العسكري تتطلب الدعوة لإنقلاب
عسكري داخل الجيش ، أم أن الحل هو الإضراب والاعتصام إلي الوصول إلي العصيان
المدني , وكافة العمليات المرتبطة بذلك من تحالفات وتمزيق لتماسك المجلس ، وهل
هناك قدرة شعبية علي ذلك في ظل إستفادة المجلس من الحالة الاقتصادية والعلمية
للمواطن المصرية وكذلك الإعلامية ، أم أن هناك حلولاً مؤقتة تسمح بوجود المجلس مع
إدراك تلاعبه ، والاعتماد علي هامش الحرية الأكبر نسبياً ومحاولة الضغط المدني من
اجل استكمال مسار انتخابي أعوج ، وممارسة الضغوط علي المجالس والرئيس القادم
للحصول علي صلاحيات أوسع وهل هذا الطريق مناسب للوضع المصري وهل هو فعال وحقيقي في
ظل وجود مستويات التعليم والاقتصاد المنخفضة بشدة ، وبقايا النظام القديم والثقافة
الاستبدادية السائدة وثقافة عدم المواجهة واللاقانونية والاعتماد علي التهرب من
المسئولية والاستحقاق و استخدام الطرق الالتفافية وعدم سلامة المعارضة نفسها من أشكال الارتباط
والارتهان بالمجلس والنظام القديم .
الإجابة علي كل سؤال من هذه الاسئلة تحتاج
حوار ثورياً حقيقياً لتحديد البوصلة !!
2 ـ المعركة مع النظام القديم
تدخل الثورة بأدواتها وتشتتها وغياب كوادرها
عن التواجد في مؤسسات الدولة بصورة فعالة وحقيقية أو علي أقل تقدير قادرة علي
اختراق هذه المؤسسات في أزمة صراع كبيرة مع النظام القديم ، كما تعاني الشخصيات
كبيرة السن من المعارضة من غياب واضح للقدرة علي إدارة دولة أو معرفة ما يحتويه
الصندوق الحكومي ويضاف إلي ذلك غياب كبير للمعلومات والأرقام الحقيقية والدقيقة عن
كافة الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والعلمية داخل المجتمع ، وتبرز إشكالية تواجد
أفراد النظام القديم في معظم مفاصل الدولة واستخدامهم من قبل السلطة المستبدة
كأدوات في الصراع ، غياباً حقيقياً لأي انجاز قوي وفعال للثورة ، وأظهرت الأيام
القليلة الماضية غياب قدرة أي جهاز داخل الدولة علي تطهير نفسه بنفسه ، الناتج عن
الثقافة الملتوية السائدة وكذلك اللاتحديد الثوري
ودعم المجلس العسكري لأوجه النظام القديم مع تغيرات طفيفة ، لا تمس البنية
الاساسية للنظام
مشاكل النظام القديم متشابكة ومعقدة وملتحمة
بالواقع الثقافي والتعليمي المصري ، فهل من دراسة جادة لإستقراء وسائل لتفاعل
الثورة في صراعها مع النظام القديم لتحديد طبيعة صراعها معه وآلياته وأدواته ،
وتقديم مبادرات حقيقية قد تكون تصالحية في بعضها ، من أجل ولو تحييد فكرة الهجوم
علي الثورة ، أوفك التحالف مابينه وبين العوامل الآخرى كالمجلس العسكري والثقافة
السائدة والتيارات الدينية ؟ وخلق ولو تعارض بينها يفيد الثورة ؟.
3 ـ التيارات الدينية
تعاني الثورة وبصورة أكبر من قبل بداية
الاستفتاء من إنقسام واضح وحتمي حسب وجهة نظري مع التيارات الدينية " الإخوان
المسلمون والسلفيون " ناهيك عن مؤسستي الدولة الدينيتين الرسمييتين الأزهر
والكنيسة ، ففي الأولي حدث تحالف ضمني أو حقيقي نابع عن تصورات مختلفة من الاخوان
ولحق بهم التيار السلفي في التعاطي مع المجلس العسكري بصورة أقرب للتبعية والتبرير
لأي خطوات يتخذها وبلغ الأمر مداه قبل الانتخابات البرلمانية ، تلاه مناوشات
خفيفية مع بدء أعمال البرلمان إلا أنها تعبر عن صراع حقيقي مع التيارات الدينية ،
وتزداد الامور سوءاً مع البرجماتية الشديدة التي وصلت إليها هذه التيارات والتي
تخطت ما هو معقول لغض الطرف عن انتهاك مبادئ إنسانية وأخلاقية كبيرة في الاحداث الماضية .
وتحديد طبيعة الصراع وآلياته والمرونة في
التعاطي مع هذه التيارات لتخطي أزمته وارتباطها بالواقع الثقافي والتعليمي والصحي
والاجتماعي الذي وصلت إليه البلد ، وهل هناك إمكانية لتعاطي سياسي يتسم بالمرونة
يكشف هذا التيارات أمام المجتمع ويفيد في خلق حالة من التعارض بينها وبين النظام
القديم والمجلس العسكري ، بحيث تستطيع الثورة تحييد هذا العامل المؤثر عليها ،
ببساطة هل يمكن احتواء هذه التيارات ودفعها من خلال عملية سياسية لمواجهة ولو
محدودة مع النظام القديم والعسكري تحقق ولو حد أدني من التحييد لصالح الثورة من
هذه التيارات ؟
4 ـ العوامل الخارجية :
لا يمكن بأي حال تجاهل تأثير العوامل
الخارجية علي الثورة منذ أول يوم في أحداثها حتى الآن ، وما زالت الثورة تعاني
إجمالاً من خلق خطاب واضح أو مطمئن للخارج يمكنها من تقليل تداعياته الكبيرة عليها
، ويرتبط تأثير الخارج الواضح المرتبط بدور مصر الإقليمي وماله من تأثير ، لذلك
فإن الخارج بحاجة لتقسيم حقيقي لمحاور يتم التفاعل معها كالغرب والولايات المتحدة
الامريكية كمحور والخليج العربي كمحور ثان ، وبقية الدول العربية كمحور ثالث ،
وإسرائيل كمحور رابع ، ويأتي غياب خطاب يتعاطي مع هذه المحاور ويخلق معادلة
متوازنة مع الداخل كمعادلة من المعادلات شديدة التعقيد ، إلا أن النقاش والدراسة
حولها مهمة جداً لتخفيف عبء الخارج الكبير علي الثورة ، كما أن رسائل التطمينات
المرسلة للخارج والمكلفة داخلياً بصورة كبيرة بحاجة إلي التعاطي الثوري أكثر مع
الثقافة العامة السائدة ويمكن الاستعانة بالمدخل الاقتصادي كرافعة لذلك .
5 ـ الصراع الفكري مع الثقافة السائدة
والإنهيار التعليمي والعلمي والقيمي داخل المجتمع
تظل إشكالية تعاطي الثورة مع العالم الفكري
للمجتمع وما يحمله من موروثات إستبدادية وثقافة خضوع وأفكار إلتفافية وممارسات
نمطية للخروج عن القانون والأخلاق يغلف ذلك بيئة تشريعية شديدة السيولة والعشوائية
، يضاف إليها الضعف الشديد في الجانب العلمي والتعليمي ، وإنهيار الكثير من منظومة
القيم خلال الثلاثين عاماً الماضية بصورة أوضح أحد وأهم إشكاليات الصراع التي
تقوده الثورة ، وتحتاج الثورة إلي مبادرات حقيقية وجادة لصناعة مدارس فكرية تنتشر
في القطر المصري لحمل أفكار الثورة والتفاعل مع كل وسائل الاعلام والاتصال من أجل
خلق بيئة ثقافية جديدة وبالأخص وسط الشباب والأجيال الجديدة لسد منابع عودة النظام
القديم
أمين محمد أمين
26-02-2012
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية