إعادة إنتاج الوعي
بعد خمسين عاماً من الآن ماذا سوف يحدث ؟
شغلني الأمركثيراً وأنا أشاهد بخيالي شباباً
يخرجون في مسيرات ضخمة تطالب بالحرية الحقيقية بعيدا عن ألعب ذوي النفوذ الذي لا
زال يتغني أصحابه بثورة الخامس والعشرين من يناير ، والانجازات الوهمية التي
يحاولون بها إشاعة الكذبة حتى تتحول إلي حقيقة.
بداية من انتفاضة 25 يناير وكل الاحداث التي
تلته كأنها طيف مستمر وإعادة اكترار للتاريخ من ثورة عرابي إلي ثورة 19 إلي أحداث
23 يوليو إلي هذه الانتفاضة الأخيرة والمستفيد واحد والخاسر دائماً هي نوايا صادقة
حملت أهدافاً كبيرة ولكنك لا تستطيع أن ترى المنجز بعدها ، هنا بداية ونهاية
المشكلة ، البداية الوعي والنهاية الوعي
كيف يستفيد العسكر والنخب الحاكمة من تدهور
حالة الوعي عند المواطنين ، إن الإجابة البسيطة سوف تتحدث عن أرقام الأمية والجهل
والتخلف بأنواعة والجهل والأمية هنا ليست النسب الرسمية التي تتحدث عن من لم
يتلقوا تعليماً او من لم يتلق تعليماً جامعياً ، الامر أعمق من شهادة دراسة
لمنظومة تعليم تم تجريفه أساساً من الوعي ، ، ولكن هل هي كافية للتعبير عن الخسائر الكبيرة
التي تتلقاها هذه الثورات ، وهذه الارتدادات الكبيرة لها ؟
تستفيد النخب المسيطرة علي الاوضاع إجمالاً
من خلال قدرتها علي التأثير الكبير والمباشر في ثلاثة عوامل
1 ـ مستوي التعليم والثقافة
2 ـ الإمتلاك الحقيقي لمصادر المعلومات
3 ـ الإمتلاك الحقيقي للجهاز الإعلامي علي اي
طريقة قانونية كان هذا الامتلاك
ترتبط هذه العوامل الثلاث جميعها بالوعي
والثقافة ، ويمثل امتلاكها عاملاً حيوياً وكبيراً وحاسماً أيضاً في إدارة الصراع
وتوجيهه ، ومالم يمتلك الثائرون علي الاوضاع خطة واضحة تستند علي وعي كبير فإن
اكترار نفس المصير ونفس المعاناة سوف يصبح حدثاً دائماً مع كل هبة للجماهير نتيجة
أوضاعها المرهقة للغاية
هنا تجدر الإشارة إلي ملاحظتين هامتين
1 ـ كيف يتم التعامل مع هذه العوامل الثلاث
المذكورة سابقاً ، والتي يبدوا فيها الميزان مرجحاً نحو القوي المسيطرة
والإنتهازية
2 ـ كيف تستطيع القوي الثائرة الخروج دائما
خارج الملعب والتفكير خارج الصندوق ، منعاً لإستدراجها كما يحدث في المعتاد .
معركة الوعي خارج القواعد
تعتمد فكرة الوعي علي الانحياز إلي جانب
الحقيقة والحق وليس إلي جانب القوة ، فالوعي في النهاية عمل ضميري ، وفي كل
الصراعات التاريخية كانت الانتصارات تعتمد علي الوعي والإرادة التي تستند علي
امتلاك الحق ، وبحسبة بسيطة لقياس المستوي المادي للقوي سوف نجد أن كل العوامل
المادية تحسم المعركة مبكراً لصالح القوة والسلطة ، بما يمتلكانه من قوي مادية
ومعرفية ، إلا أن الوعي والإرادة بما يمتلكانة من قدرة علي المناورة في الاولي
والحق والأخلاقية في الثانية يستطيعان تغير المعادلة .
كيف نخلق معادلة جديدة للوعي يتم من خلالها
التعامل مع العوامل الثلاث السابقة التي يسيطر بها النظام علي المجتمع
الفكرة ببساطة نقل فكرة العلم والتعلم والوعي
خارج الإطار الحكومي ونقل الصراع الفكري والمعرفي إلي الشوارع عن طريق مدارس
الثقافة
إن تفكيك سيطرة النخبة علي التعليم من خلال
الأجهزة الرسمية للدولة يتطلب تحركاً علي مستويات مختلفة هي مغلقة بالأساس يكفي
منها فقط المستوي الاقتصادي المرتبط عضوياً بالصحة والتعليم ، مما يجعل العمل داخل
أجهزة كهذه يتطلب حلولا غير موجودة ، ولا يمكن تحقيقها علي اقل تقدير بغير مستوي
أعلي من الوعي ، يستطيع إيجاد حلول ابتكارية للأوضاع المعقدة والمتشابكة القائمة.
إن فكرة المدارس العلمية والثقافية والشرعية
هي طراز تاريخي حدث في عصور تاريخنا المتقدمة واستطاع به الاوروبين القيام بنهضتهم
، والعدالة والتنمية في تركيا أحد ثمارة ، وهي فكرة مرنة تسمح بالعمل خارج مؤسسات
الدولة المتهاوية فعلاً ، وإخراج الحل من اطار حصره في نظام تعليمي تم الهروب منه
بدروس خصوصية وهمية للحصول علي شهادة يتم إستدعاء فكرة أنها تؤدي إلي وظيفة غير
موجودة بالأصل .
الفكرة ببساطة شديدة الحصول علي المعرفة
والعلم بعيداً عن أشباه المعرفة والعلم عن طريق أرقام وأسماء لا تمثل في جوهرها وعياً
حقيقياً ، تقوم فيها الدوائر المثقفة بالإستفادة من كل الطاقات الثقافية الموجودة
باختراع مدارس تنموية للشباب والاطفال تنقل المعرفة ممن يملك إلي من لا يملك ،
بدون اي شهادات او تصديقات رسمية ، توضع فيها مناهج للدراسة والبحث تعتمد طريقة
تشابه الطريقة الغربية في التعليم ، يمكن أن يخدم ذلك جمعية أو موقع علي الانترنت
يقوم بتوفير الكتب التي تخدم مواد المعرفة ، يقوم بصياغتها كل المتخصصين بطريقة تشبه
موقع الويكابيدا ، ينقلها كل من يمتلك معرفة إلي من لا يملكها ، تكون المناهج
متوفرة ككتب ورقية أو إلكترونية ، تتوسع تدريجياً بمجهودات كل المتفاعلين عن طريق
عروض وشروحات ، يقوم المتطوعون فيها بإستخدام كل ما هو متاح من حدائق او مقاهي او
مراكز شباب لنقل المعرفة حتى لو بمحاضرات بسيطة للغاية ، حتى ولو كان من خلال
الفضائيات ، ويمكن تقسيم المعارف فيها إلي ثلاث أو اربع معارف رئيسية تخدم العقل
الانساني ، كالمعارف الاجتماعية من علم نفس وسياسة واجتماع ، ومعارف العلوم
الطبيعية كالفيزياء والميكانيكا وتطبيقاتها الفنية ، ومعارف العلوم الشرعية ......
إن عملية نقل الوعي من الدولة السلطوية وإطار
النخبة الحاكمة إلي مجتمع واع بقضاياه ومشاكلة حتى ولو علي مستوي غير متطور ، يخلق
نقلة نوعية في طبيعة الصراع مع النظام وينقل حالة الوعي والإدراك المجتمعي من
سيطرة النظام الحاكم إلي المجتمع والتي ستخلق تحركاً من الأسفل إلي الأعلي ، في
عملية تطوير نوعي للأداء السياسي يجعله أكثر فاعلية وأكثر قدرة علي إحداث تغيير
حقيقي ، بدون ذلك سنظل نراوح في المكان في حالة اكترار داخلي لنفس الأزمات ونفس
المعالجات السياسية التكتيكية التي لا تمس صلب النظام ولا تتعامل بجدية معه .
أمين محمد أمين
12-03-2012
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية