الحل قد يأتي من الخارج
قد يبدوا العنوان صادماً للقارئ فهو يتنافي
مع هذا الكم الدعائي الهائل الذي تسطره قنوات الإعلام ، وتتداوله الالسنة وكأنه من
المسلمات ، ولكن هل هذا صحيح فعلاً ؟
في كل وسائل الإعلام التقليدية يتم الإلحاح
الدائم علي فكرة أن ما يأتي من الخارج هو دائماً معاد ، ويتم ربط أي تحرك للمعارضة
عن طريق السلطة القائمة دائماً بان هذا تحرك مرتبط بالخارج ، وهو ما يفترض ضمنياً من بدايته
أن الجماهير تملك قناعة أن الخارج دائماً مريب ومعاد وخطر ، تكتمل الديباجة
الإعلامية كالمعتاد بالمؤامرة الكبرى وسعي الجميع لتخريب الوطن ، والقضاء علي
سلامه الداخلي ، والقضاء علي الاستقرار ، ووقف عجلة الانتاج التي لا يعلم أحد كيف
كانت تسير مسبقاً ، والتحويلات المالية الغير شرعية التي تحصل عليها المعارضة لا
النظام ، فتحويلاته شئ مبرر مسبقاً .
تنتقل هذه الرسائل الملحة والمتتابعة للمواطن
البسيط عن طريق أفكار مختلفة متلاحمة مع الافكار المسبقة المتكونة في عصر الصراعات
الوهمية ، وإذا عجزت هذه الحملات المستمرة وأصبحت مستهلكة لديه ، يتم الانتقال إلي
فكرة أن من جاء من الخارج لا يشعر بمعاناتك التي تعانيها ، لخلق حالة ربط ذهني غير
حقيقية بين المعاناة والحل ، والأكثر إضحاكاً أن هذا الذي يرفع هذه الشعارات هو
عينه من يستغل هذا المواطن ويخلق حالة تهميش وإفقار وتغييب كاملة له ، وعلي الرغم
من تهاوي هذا الاساس فبديهي أن الحل قد يأتي من شخص أكثر علماً ودراية بالمشكلة ،
فالمحترق قد لا يجيد التفكير مثل هذا الذي خارج الحريق الذي يستطيع وضع خطة
لإنقاذه بصورة أفضل ، وليس المريض المتألم بأكثر قدرة علي علاج نفسه من الطبيب الدارس
للمرض وأسبابه وطرق علاجه .
وعند فشل الترويجة السابقة تنطلق ترويجة أخرى
أكثر سخرية وهي نقص الخبرة في معرفة الفساد المتوغل ، وأنه لكي يصلح الرجل فساداً
فيجب أن يكون المصلح منغمساً في الفساد عالماً بدروبه ، ليجيد التعامل معه ،
وتتهاوي هذه الفكرة أمام التفكير البسيط أيضاً فعلي العكس تماماً فالشخص المندمج
في الفساد لفترات طويلة بحيث أصبح منهجاً يعيشه ، ولا يستطيع الافتكاك منه يصبح
أقل أفقاً ومعرفة بنظام جديد لا توجد به هذه المشاكل ، ويتبين أن هذا الشخص الذي
عاش في إطار منظومة منتظمة خلقت آليات وأدوات لمحاربة الفساد ووضعت أبحاثاً
ودراسات في كيفية مواجهته أقدر فعلياً من كل الأوجه علي رسم منظومة جديدة ، لا
يعتمد فيها علي التجربة والخطأ من البداية وأقل تلوثا بالفساد القديم في اعتياده
والتعايش معه ، مما يجعله أقدر فعلياً من هذا المنغمس في الفساد والمتشرب لسنوات
عديدة .
إن معاناة المجتمعات التي رزخت لفترات طويلة
تحت الاستبداد والجهل ، تتم فيها عمليات ممنهجة للقضاء علي الإبداع والتفكير
والقدرة علي قراءة المستقبل ، لهي في اشد الاحتياج إلي نوعية أخرى من الافراد
القادرين علي اجتياز هذه العقبات بعيداً عن البدء من نقطة ما تحت الصفر ، ولمعرفة
النظم المستبدة والنخب الفاسدة بقدرة
أبناء الوطن المهاجرين للخارج عن طريق المعارف والعلوم والتجارب الناجحة التي
تعرضوا لها خلال فترات تغربهم خارج الوطن ، مما يمنحهم قدرة أعلي علي اختصار الزمن
في نقل تجارب البلاد الاخرى بأقل حد من أخطائها التي مرت بها للتطور ، تلجأ هذه
النظم لتشويه كل ما يتعلق بالخارج وليس أوضح من ذلك غير الحرص الشديد من النظام
علي رفض وجود اي شخصية تحمل جنسية مزدوجة من الترقي في أجهزة الدولة العليا حتى
ولو تخلي هذا الشخص عن جنسيته الاخرى لصالح إحتياج الوطن .
مع أن النظام نفسه هو السبب الرئيسي في هجرة
هذه العقول بل والأعجب من ذلك ، أن هذا النظام الذي يشرعن ذلك هو عينه الذي يعتمد
بشكل أساسي علي تحويلات هؤلاء المصريين المغتربين في حل عجز موازنته الدائم ، وفي
كل أزمة يستحضرهم للتبرع لما للبلد من حاجة اقتصادية .
لست في حاجة لسرد وقائع كثيرة علي الادوار
التي يقوم بها من هم خارج الوطن لصالح أوطانهم ، وأدوار دكتور كمجدي يعقوب وأحمد
زويل والبرادعي لا ينكرها جاحد ، وليس هذا إنكار أو غبناً لدور المقيمين داخل
الوطن ، ولكن هل يمكن أن يثور تساؤل حقيقي لدي المواطن بعد مشاهدته للأداء النخبوي
الحالي في قراءة هذا التردي العلمي والاخلاقي والمهني الكبير لدي الكثير من النخبة
التي عملت من خلال وجود النظام وتعايشت معه ومع أساليبه وأداءه لفترات لا تقل عن
عشرات السنين في التفكير جدياً في الاعتماد علي منهم خارج المنظومة من ابناء الوطن
المخلصين لإحداث تغيير حقيقي في الواقع المصري ؟ ، وتغيير القناعات الخاصة نحو
الإحتياج الحقيقي إلي خبرات من خارج الوطن او خارج المنظومة لإفتقاد النخبة
الحالية الموجودة لأي عقل استراتيجي او إبداعي قادر علي انتشال الوطن من هذه الهوة
السحيقة بدلاً من البدء من تحت الصفر واعادة انتاج التجربة والخطأ مرة أخرى ؟
هل هناك في الوطن من يشك في أن عملية الهجوم
علي كل الحلول الخارجية كنموذج البرادعي وزويل والباز وغيرهم بدعاوي يروجها النظام
وجهاز مخابراته المريض لتضليل الناس وإفقادهم عقليات متميزة قادرة علي إحداث تغيير
حقيقي في الواقع وقادرة علي اجتياز تجارب وفترات زمنية أحوج ما يكون الوطن إلي
الإستغناء عن الوقوع فيها أو الإنتظار حتى تنضج ؟
هل هناك عاقل قد يترفع ويعلنها أن الحل قد
يكون من الخارج أفضل ؟
هل يمكن أن يقتنع مريض أن بالخارج أدوية أحدث
وأكثر فاعلية من أدوية تقليدية فقدت فعاليتها من تكرار إنقاص مادتها الفاعلة ، حتى
اصبحت لا تبرئ سقيماً ولا تشفي عليلاً ؟
هل يمكن أن نتخلي عن عمليات احتراب وثقافات
بائدة تخرب حياتنا وواقعنا ، للتفكير بإيثار إتجاه أشخاص يحبون وطنهم بصدق وقادرون
علي فعل الكثير من أجله ؟
أمين محمد أمين
12-03-2012
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية